صدرت مسرحية "أساطير معاصرة" رفقة "بشار الخير" ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز ـ فاس، في طبعة أولى 1993، مع العلم أن "بشار الخير" كتبها في عام 1978، و "أساطير معاصرة" 1992. لكن جاء نشر النصين مجتمعين رغم تباعد زمن الكتابة، يست طيع القارئ أن يتساءل عن السبب وراء ذلك؟ أعتقد أن المؤلف أراد استلهام التراث بأشكاله المختلفة، وتوظيفه في الكتابة الدرامية، وكأنه بذلك يعتبر التراث تراثا واحدا يتساوى في ذلك تراث الاغريق بالتراث العربي في أشكال العرض والفرجة. كما أن الخيط الرابط بين المسرحيتين يتجلى في الدلالات والرموز المشتركة. ف "بشار الخير" توظف السمايري لمعالجة قضايا العصر الراهنة، تجاريها في ذلك "أساطير معاصرة" التي توظف الأسطورة لطرح أهم القضايا الراهنة (حال بغداد ومعاناتها).
من خلال قراءة سريعة لعناوين المسرحيات التي كتبها المؤلف ـ فقط من خلال الدلالة الظاهرة ـ يمكن تصنيفها إلى نوعية أساسيين: أ ـ نوع يحيل على التراث مثل: فلاش باك" و "بشار الخير" و "بغال الطاحونة" و "النواعير".. ب ـ نوع يلامس القضايا المعاصرة من ذلك: "المرتجلة الجديدة" و "مرتجلة فاس" "بغداديات" و "ميت العصر" و "أبو الهول الجديد" و "أساطير معاصرة" الخ.. إن المؤلف شأنه في ذلك شأن باقي الباحثين العرب الذين استغلوا التراث في كتاباتهم لتحقيق كتابة تجريبية وعادوا إلى نصوص تراثية قديمة من أجل كتابة نص جديد. في هذا الصدد يرى "ر أفت الدويري" أن الفنان الحديث يعود إلى الماضي ـ لا مرتدا أي سلفيا وبالتالي مسلما بمسلماته ـ وإنما يعود إلى التراث متسلحا بروح الحداثة ـ تلك الروح الايجابية ـ النافذة التي ترفض الاستسلام لمسلمات التراث. وهنا يكون صدام الفنان الحتمي مع تراثه، وهو صدام لا يعني الانفصال أو الانقطاع عنه، لكي لا يحرم حداثته من عمق أساسي هو عمق الماضي. ورغم أن العنوان جاء مختصرا ومركبا فهذا يليق بموضوعها كما يليق بأبطال المسرحية، فشهرة البطل ومكانته التاريخية لا يليق بها إلا اختصارا في عنوان مسرحيته. 3 ـ البرولوج (Prologue): وضع المؤلف لهذه المسرحية مقدمة يتحدث فيها عن تزامن رغبته في الكتابة، وحضور بغداد التي ملأت ذهنه في تلك اللحظات، التي من أجلها انتقى من الميتولوجيا اليونانية ثلاث أساطير تتماشى مع رغبته في الكتابة. كما عمل على تقديم أجزاء المسرحية في شكل لوحات ثلاث، لكل واحدة عنوانا رئيسيا، كما لكل لوحة زمانها ومكانها وخلفيتها الدرامية. وبعد هذه المقدمة التي افتتح بها الكاتب مسرحيته يصادفنا البرولوج/الاستهلال، وفيه تتحدث شخصية امرأة تحمل أسماء عديدة (أيو ـ انتجون ـ الكترا)، وتعيش في أمكنة مختلفة (أرجوس ـ طيبة ـ موكينيا و بغداد...) إن مثل هذا الشرح/البرولوج يساعدنا في البدء على معرفة شخصيات الحكاية، وفضاءاتها كمرحلة انتقالية هامة نحو بنية النص وأغواره. والملاحظ أن كلمة (تنسحب) قد وردت في ختام هذا الاستهلال، مما يجعلنا نعتقد أن البرولوج هو جزء من المسرحية، وهو فعلا كذلك إلا أن السؤال الذي يبقى مفتوحا، من يقوم بهذا الاخبار؟ هل هو شخص من خارج الفرقة المسرحية؟ هل هو الراوي؟ من؟ نجد في ختام المسرحية جوابا على هذا السؤال حين يقول المؤلف "تعود الممثلة التي ألقت البرولوج وهي نفسها التي قامت بأدوار أيو وانتجون والكترا". في هذا السياق نتساءل عن طبيعة البرولوج، هل يمكن اعتباره مونولوجا لا يحتاج بالضرورة إلى مستمع بواسطته تعبر الشخصية عن فكرها الخاص والمتميز والأقرب إلى اللاوعي؟ إننا نشك في ذلك، لأن البرولوج هنا موجه ـ بشكل غير مباشر ـ إلى العديد من القراء والمشاهدين. انطلاقا من القارئ/المشاهد العادي الذي يتصل بالمسرحية عبر النص مرورا بالدراماتورجي الذي يقرأ النص قراءة إخراجية تراعي أهم مراحل عبور الكتابة الدرامية إلى الكتابة السينوغرافية المقترحة وصولا إلى المخرج الذي يمتلك طاقات إبداعية علمية تمكنه من تقسيم النص المسرحي وتحويله إلى عرض عبر تعديلاته واقتراحاته الممكنة. أما الجمهور فيتلقى البرولوج ليس كنص مكتوب بل كعرض أو كنص جزئي في العرض شأنه في ذلك شأن باقي عناصر المسرحية المكتوبة التي تكتسب حرارتها أثناء التمثيل. كما أن الجمهور يتابع هذا البرولوج، ويظل يتساءل طيلة العرض عن مدى انسجامه بالموضوع المسرحي. وبصيغة أخرى فالجمهور يترقب طيلة العرض صورة معمارية من خلال صورة البرولوج الذي شكل في البداية قاعدة لموضوع المسرحية والمحفز لرؤيتها.
يشكل هذا العمل الذي قام به المؤلف في المسرحية رجوعا إلى التراث بمفهومه الإنساني من خلال بعث الأسطورة، وربط الخيالي بالواقعي حتى تنصهر الأسطورة بالواقع الراهن، وتخدم قضاياه المشابهة عبر الزمن الإنساني، (الواقع العربي نموذجا). وهذا ما جعل منها (أي الأسطورة) أداة لاختراق المقدس، والتلفظ بجوهر الحقيقة، ومجارات الغرب في صياغة نصوص مسرحية تطرح قيما خالدة عن الإنسان العربي وعن زمنه ومكانه. هكذا، رغم أننا نجد عناصر أسطورية مختلفة (أيو، الكترا، انتجونا)، فكل عنصر من هذه العناصر تشكل "لونا تراجيديا" لتشكيل لوحة واحدة كبيرة تسمى في النهاية "أساطير معاصرة" . إن هذا الإنجاز الفني تم بواسطة رغبة الكاتب في تقديم عرض من القديم: الأسطورة لخدمة فكرة وهي القدر المتسلط على الإنسان العربي الذي يحكمه ويتحكم فيه، ولكن هذا الإنسان المتمثل في بغداد / المكان، إنسان القرن العشرين، لا يمكنه أن يستسلم شأنه في ذلك شأن "أيو، انتجون والكترا" في الأساطير. هذه الشخصيات التي قاومت التسلط وقسوة القدر، فماتت واقفة أو عاشت كريمة. إلا أن المؤلف قدم "الكترا" كشخصية لم تعد تنتظر "أورست" أخاها من أجل إنقاذها كما هو متداول في الأسطورة، بل ستنتقم لنفسها. إن عملا مثل هذا يذكرنا بما كان يفعله رواد التراجيديا اليونانية قديما حينما كانوا يوظفون الأساطير خدمة لأغراضهم الاجتماعية، والثقافية الخ وما يستلزمه الموقف منهم، وبكلمة فإن هذا النص جاء ليعكس حقيقة واحدة، وهي الرغبة في خلق كتابة تتأرجح بين التأصيل والتحديث كما يشير إلى ذلك الدكتور حسن المنيعي حين يقول: "وبما أن خرق أصول المسرح المغربي قد أصبح هاجس المسرح المغربي، فإنهم قد عادوا إلى التراث للاستفادة منه ولخلق توافق وانسجام بين مخزوناته وممارستهم، من هنا عرف المسرح المغربي، انطلاقا من السبعينات، توجها تأصيليا وتجريبيا في نفس الوقت حافزه هو تطو ير الفعل المسرحي إن على مستوى النص أو على مستوى نسق العرض وما يعتمده من تشغيل للفضاء".
يقترح المؤلف للوحدة الأولى "عيون أرجوس ما تزال حاقدة" أربع مستويات. في المستوى الأول يتم تقسيم الخشبة إلى عدة مناطق. في ركن من المقهى يجلس شخصان "1" و"2" حول الطاولة أما في المستوى الثاني فيتم تركيع رقم "2" من طرف رقم "1" ويصلب على الخشبة، وفي نفس اللوحة نجد في المستوى الثالث ستائر شفافة مع إضاءة ذات ألوان حالمة، تظهر "أيو" في لباس أميرة يونانية سعيدة تعبر عن بهجة الشباب بالحياة، وفي المستوى الرابع والأخير تتداخل مستويات الخشبة ويتم الصراع بين أزيز مزعج ينبعث من ذبابة (يقوم بالدور الممثل "1") و"أيو" تظهر في الخشبة مطاردة واضعة قناعا أو قرني بقرة على رأسها. إن هذا النوع من التقسيم على مستوى الخشبة ينوع المشاهد والصور، كما يعمق فكرة التشخيص. إذا كان هذا الاقتراح الذي دعا إليه المؤلف لتقسيم الخشبة، والمحافظة على المستويات المذكورة أعلاه في اللوحة الأولى من المسرحية يظهر ثابتا، فإن العكس هو الصحيح ما دام المؤلف هو الذي يجبرنا على تلك المستويات حيث يقول: "تقسم الخشبة إلى عد ة مناطق، وربما إلى عدة مستويات". بذلك تصبح إرشادات المؤلف، وملاحظاته ليست إجبارية. ففي كلامه عن المكان، اقترح "سكيثيا" وهو اسم المكان في أسطورة "بروميثيوس" أو شارع من شوارع القرن العشرين، أما المدينة فيركز أنها تنتمي إلى العالم الثالث خدمة لموضوع المسرحية ودلالتها. نستنتج من خلال هذه الملاحظات أن تصور المؤلف للإخراج يأخذ شكلين في هذا النص: الشكل الأول يقترح فيه بعض الملاحظات القابلة للتغيير، والشكل الثاني يتجلى في اقتراحات وإرشادات يدعو المؤلف المخرج من خلالها للمحافظة عليها كعناصر ضرورية في العرض المسرحي. هذا يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة الكتابة في حد ذاتها عند المؤلف. فهذا النص المسرحي كاتبه يتميز بكونه مؤلفا ومخرجا، ولهذين السببين فإن مخرجا لهذا العمل ستخفف عنه العديد من الصعوبات أثناء عمله، مادام الكاتب له دراية هامة بالإخراج وعناصر الركح بشكل عام. إن المخرج يبحث في الكتابة المسرحية كما يتصوره، أو بعبارة أخرى عما يريد أن يراه فيها، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يكون "مترجما" حركيا لما يقرأه، هذه المعادلة الصعبة وراء تدمر الكثير من المخرجين العرب من المسرحيات التي يغلب عليها الأسلوب الأدبي أو التكو ين الأدبي، فترى المكان المسرحي وقد اختفت ملامحه، والشخصيات وقد اتسعت أفقيا فأصبحت مسطحة بلا لون يميزها، أما خطابها الاجتماعي أو السياسي فهو خطاب الكاتب المباشر. إذا كان هذا ينطبق على بعض المخرجين في علاقتهم مع العديد من النصوص المسرحية البعيدة عن الطابع المسرحي، فإن النص الذي بين أيدينا يخرج عن هذه القاعدة ويتجاوز الشكل الأدبي في الكتابة الدرامية. في هذا الصدد نجد المؤلف في اللوحة التي سماها "أنتيجون تواجه قانون الأرض" التي تعتمد على خلفية "أسطورة انتجون". هذا المشهد (حسبه) يحدث في باب من أبواب مدينة "طيبة" السبعة، إذا كان المخرج لهذه المسرحية يهدف إلى التقاء ابني أوديب "بولينيس" و"ايثيوكليس" قبل مصرعيهما. أما إذا كان مخرج النص يرغب في التقائهما بعد قتالهما فقد يكون المكان أي مكان معاصر. لماذا إذا هذا الاقتراح؟يقول المؤلف في هذا الشأن: "يمكن أن يكون المكان معاصرا مادام ما نحكي عنه يحتمل أن يحدث في الأسطورة كما يحتمل أن يحدث في الواقع المعاصر...."
لقد اقتنع كروتوفسكي بأن البحث عن الأصول، ينبغي أن ينصب على الممثل، أو بالأحرى على جسد الممثل باعتباره خزانا للقيم الأسطورية الأصلية، فهو ينطلق من اعتبار الأزمة الحقيقية للمسرح الغربي كامنة في غياب "مسرح طقوسي" يقوم على "أساطير حية". لذلك نجد المؤلف في "أساطير معاصرة" قد أولى عناية مميزة لشخصياته سواء في الاقتناء أو التوظيف خدمة لقضايا وأسئلة المسرح العربي (المغربي منه). في اللوحة 1 توجد ثلاثة شخصيات، تمثل "أيو" دور البطل فيها، هذه المرأة التي تواجه الظلم في الأسطورة، أحبها "زوس": رب الأرباب فمسختها زوجته "هيرا" غيرة منها، فانطلقت تائهة في الأرض إلى أن أرشدها "بروميثيوس" إلى طريق النجاة. هنا من حقنا أن نتساءل عن العلاقة بين الأبطال التراجيديين والموت في الأسطورة اليونانية؟ لقد كان الإنسان اليوناني يحس بالضجر والرعب، وبالخوف في هذا الوجود، إلا أنه كان يرفض أن يتعامل معه كخطيئة أو ذنب، كما الحال مع المسيحية، ومع روح العلمية الذين عملا على احتضار التراجيديا وموتها. لذلك انعكس هذا الشعور في كتابات الشعراء التراجيديين، فأصبح الأبطال التراجيديون يختارون موتهم ببطولة وشجاعة وإقدام، فهم يعرفون أنهم سيموتون إلا أنهم يختارون موتهم، ويذهبون إليه. ولغرابة إذا إن تحولت "أيو" إلى بقرة والشخصية رقم 1 إلى ذبابة يطارد ها، وهكذا... في اللوحة الثانية، نجد شخصية معروفة في الأساطير "انتجونا": الخارقة والبطلة القوية التي تبحث دوما عن الحقيقة، وترغب في العديد من المناسبات في تقاسم الخير مع الناس انطلاقا من أقرب الناس إليها "ايثيوكليس"، و"بولينيس" باعتبارهما أخويها، و"أوديب" أباها. إن هذه المرأة في الأسطورة من خلال "أساطير معاصرة" تبدو -كأنها- بطلا يخلق نوعا من الاطمئنان والظرافة والفرح والحزن لدى المتلقي. فهي لا تريد أي صراع بين أخويها، وتحاول تهدئة أنفسهم بدعوتهم إلى التأني في الأحكام، وعدم السرعة في التصرفات. لكن "أنتيجونا"، هل تحددت شخصيتها انطلاقا من الدور الذي تقوم به، أم من خلال العلاقات التي تجمعها مع الشخصيات الأخرى؟ إذا عدنا إلى الكوميديا الرومانية نجد أن الشخصيات تتحدد بواسطة الأدوار، وليست بواسطة العلاقات التي تجمعها مع بعضها البعض مثل علاقة (ابن فلان)، (عبد فلان)، (صديق فلان)، لأن الأدوار تبين مسبقا طبيعة هذه العلاقات بين الشخصيات، كما أن العلاقات ليست معطى من القصة، ولكن من المجتمع الكوميدي الذي تقع فيه. من خلال المسرحية نسجل أن شخصيتها قد ظهرت من خلال دورها في العرض وليس من خلال علاقاتها مع الشخصيات الأخرى . وما يمكن أن يقال عن هذا الدور الذي قامت به انتيجونا، يقال عن "الكترا" في اللوحة الثالثة من المسرحية التي تبدو امرأة قوية تجسد كل إرادة، تقاوم التسلط والظلم وتحلم بعودة "أورستس" الشاب اليافع والقوي وكأنه أمل ينتظر. لكن بعد طول انتظار ستقوم بالانتقام لنفسها دون الانتظار الطويل والمقيت، ما دام الفنان لا يبدع في فراغ اجتماعي، إذ يمثل الفن إحدى مكونات البنية الفوقية للمجتمع.. يجد نفسه مضطرا للدفاع عن الوجود أمام المادة الإبداعية. إن الحافز الاجتماعي والواقعي هو الذي دفع المؤلف إلى جعل "الكترا" في المسرحية "أساطير معاصرة" تخالف واقعها في الأسطورة الإغريقية، فالانتظار الطويل الذي يعاني منه المواطن العربي في تغيير أحواله الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية والثقافية لابد أن يوضع له حد، لأن التبادل يأتي من داخل الإنسان وليس من خارجه.
ليس هناك من نظرية في التزيين، ولا نظام أو توجيه جمالي من شأنه المساهمة في إنجاح ديكور ما، وخلق نظام درامي، إنما الشعور المتواجد في القاعة هو الذي من شأنه وحده خلق مكان للعرض. لذلك نجد المؤلف يقدم مكانه المسرحي في أ شكال اختيارية غير محددة، فقد يكون المكان في نظره هو قفار "سكيثيا"، وهو المكان في أسطورة "بروميثيوس"، أو يكون شارعا معاصرا، لكن المدينة يركز المؤلف على انتمائها إلى ما يسمى "العالم الثالث". وإذا كان هذا التحديد للمكان عامة، فإن المؤلف حين قسم الخشبة إلى أمكنة تحدث عن إمكانية وجود مقهى، قد تكون جهة اليمين، وفي الجهة الأخرى يظهر شخصان رقم 1 ورقم 2. أما في عمق الخشبة فتوجد ستائر شفافة، منها تظهر "أيو" المعذبة، كما يمكن أن نتصور ديكورا يناسب هذا المكان العام كالطريق بين المقهى وساحة الصراع بين رقم 1 ورقم 2، ووجود كنيف للمقهى وما يضمه من عناصر... الخ. ما دامت المقهى غالبا ما تكون مزينة بديكورات معبرة سواء من الداخل أو من الخارج، فإن المخرج مطالب باستحضار كل تلك العناصر التزيينية، ولكن ذات الدلالة/الدلالات. إذا كان المسرح اليوناني يماثل المسرح السنسكريتي ومسرح النو في عدم توظيف الديكور... فالخشبة اليونانية تكاد تخلو من أية قطعة تحيل على الفضاء المشهدي، إلا أن الكلام كان ينوب عنها في ذلك حيث تتم الإحالة على أمكنة وأزمنة محددة في الكلمات الأولى من البرولوج، فإن "أساطير معاصرة" لا تجاري هذه الأشكال، بل تقترح أمكنة ودي كورات، ولا تفرض شيئا محددا بل المؤلف اقترح أمكنة من صميم الأساطير كـ"قفار سكيثيا" -باب من أبواب مدينة "طيبة" السبعة -ساحة من ساحات مدينة موكينيا. هنا يمكن أن نتساءل: لماذا مثل هذا الاقتراح المكاني؟ إن حضور مثل هذه الأمكنة في النص المسرحي يستدعي من المخرج -دوما- البحث عن ديكورات عميقة ومختلفة تناسب الاقتراح المكاني، ما دام المكان، والديكور ظلا في النص مترابطين، يفرضان على المخرج فضاء متميزا. كما نتساءل مرة أخرى عن طبيعة القاعة التي يقصدها المؤلف، هل هي قاعة المسرح؟ أم قاعات أخرى خارجة عن المسرح؟ إن مكان العرض الذي يعنيه المؤلف ليس بالضرورة هو القاعة، فأي مكان يوحي بوجود مدينة أو ساحات، فهو قابل للعرض، والقاعة من بين هذه الأمثلة، وفي هذا الفضاء المكاني نجد المؤلف يوظف أجواء المقاهي باعتبارها أمكنة شعبية قديمة تعرف فرجات عفوية وانشغالات شعبية (لعب ورق - مشاهدة التلفاز - احتفال بمولد... الخ). إن هذا النوع من اللعب/المسرح، يحيلنا إلى فكرة مفادها: أن المؤلف يرتبط بأشكال الفرجة الشعبية ويعتمدها في كتاباته المسرحية من أمثلة ذلك (بشار الخير، بغال الطاحونة، ميت العصر، فلان.. فلان الفلاني.. فلتان..
تصنيف :
0 التعليقات:
إرسال تعليق