الأحد، 3 مايو 2015

الدكتور عبد الرحمن بن زيدان يشارك في فعاليات الندوة الدولية في مهرجان طنجة للفنون المشهدية


يشارك الدكتور عبد الرحمن بن زيدان في فعاليات الندوة الدولية في مهرجان طنجة للفنون المشهدية المنظمة من 1 إلى 5 مايو 2015 في موضوع (الذاكرة والمسرح ـ مسرحة الأرشيف) وقد ألقى عرضا عنوانه:
(ساحة الهديم في مكناس ذاكرة فرجات توثق زمن البقاء و الانمحاء) وفيما يلي ملخص المداخلة
تظل أصالة أمكنة الفرجات الشعبية في مكناس مرتبطة بالساحات الشعبية المعروفة، وتظل خطاباتها المتفاعلة مع محكي الذاكرة المليئة بمرجعيات متعددة مكتوبة بسرديات التراث العربي، والأمازيغي، والشعبي، لتبقى كلها فرجات هدفها تنمية الرغبة في الحكي بالتمثيل وهو يتذكر ما تحكيه هذه السرديات.
وحين نأخذ ساحة الهديم مجالا حيويا للحديث عن هذه الفرجات، ونريد البحث في ذاكرة المتعة الفنية التي كانت تفشي بأسرار ما هو فني شعبي يدل على تعدد النصوص المنطوقة، وتدل على تعدد دلالاتها، وتدل على وجود تباين شديد في شكل بنائها الفرجوي، سنجد أنها فرجات تنمحي بعد تقديمها، وأن الهرم قد دبّ في كيان بعضها، وبالمقابل هناك فرجات استولدها الزمن الفرجوي الجديد من الواقع الجديد تمشيا مع ما تفرضه طلبات المتلقي الميّال نحو المتعة التي تتمرد على المحكي التراثي ليؤسس محكيا غارقا في إثارة ما هو حسّي لذّوي صادم به يدمج المتلقي نفسه في رغباته المؤجلة، أو المكبوتة، أو المحبوسة في قيم مجتمع محافظ لا يجد مخرجا من واقعه إلا بالفرجة التي تكشف له عن كلام خفي هو كلام الرغبة التي تتنفس في الحلقة.
أعتبر أن في ساحة الهديم توجد نصوص بصرية مكتوبة بالشفوي الزائل بسبب غياب التوثيق للحظاته الآسرة، وأن كل نص فرجوي فيها يعيش حياته المحدودة بزمن الفرجة ليبقى ـ دائما ـ محكوما بالانمحاء لأنه نص وليد الارتجال الظرفي، ووليد اللعب الذي يقود إلى أفق دلالي فيه المحكي الظاهر متجليا بحضور (الحلايقي والمتحلقين حوله كمتلقين)لكنه المحكي الثابت الذي تغيره سياقاته المتجددة بتجدد المتلقي.
هذا النصوص البصرية تُعتبر دائرة واقعية ومُتخيلة تتحرّك فيها دوائر دلالية جريئة تتمحور حول ما يتطلبه موضوع الحكي بثوابت اللعب، والإيهام، والتغريب العفوي، والسخرية، والحرية في تجاوز قواعد بناء شخصية الحكواتي بتعدد الأدوار، وبلعبة الانسجام، وبلعبة استدراج المتحلقين حوله كي يصيروا محرٍّكين للعب بإرادة الحكواتي التي تحركهم بمهاراته في الإخراج المرتجل الذي يريده أن يكون لعبة مُتقنة تحتفظ على إبقاء المتحلقين مشدودين إلى زمن حكي وزمن اللعب ولحظات الغناء.
نصوص الفرجة يكون مركزها كل هذا التركيبات الفنية، ويكون الحلايقي هو القابض بها على خيوط الدهشة، لكن هذه التركيبات تبقى وقتية فهي زمن تبدأ بميلادها ، لكنها بعد ذلك تضيع بعد انتهاء اللعب فتنمحي هذه الصورة ولا تبقى منها إلا حزمة من الملامح التي تحتفظ بها الذاكرة وتوثق لبعض لحظاتها الآسرة في غياب توثيق علمي يكتب تاريخ هذه النص البصري المتعدد الذي يملأ بمفارقاته فضاء ساحة الهديم.
بمعاينة أكثر النصوص الفرجوية حضورا في الحلقة، هناك نصوص لازالت حاضرة في نفس المكان تمارس طقسها الأدائي مايزيد على الخمسين سنة، يمثلها الحكواتي الذي يسرد تاريخ البشرية من آدم، إلى تاريخ الأنبياء والرسل، إلى ظهور الاسلام، والحديث عن الغزوات، وشخصية هذا الحكواتي لا تعتمد على اللعب المسرحي، والتمثيل، ولكنها تعتمد على نصوص شعرية يقوم بتأديتها مغناة، ليكون هو المغني والعازف الذي يقرب مريديه من أجواء المقدس. لكن الشيخوخة التي لحقت بأزمنته ، وعزوف الناس على مسايرة حكاياته تمثّل في بنياتها العميقة عن هروب يبتعد عن سماع العنترية، وسيرة الخليقة. والسيرة الهلالية، وألف ليلة وليلة.
ساحة الهديم تبقى هي المكان الذي يكتب ذاكرة الفرجة، ويعطيها حيويتها لمواجهة الغياب، ومواجهة أفول أضواء النهار بما يقوله المحكي الذي يسلط أضواءه على عتمات الخطابات المغيّبة من ذاكرة الذاكرة، ليوثق للّحظات المعيشة بالنصوص المنطوقة بحضور الجسد الذي يغرب الزمن والمكان والحكي بعلامات تجسد معنى الحياة التي تتأسس على الرغبة في الحياة، لكن ما يثير الدهشة في هذه الساحة وجود نوعين من الفرجات تختصران زمن الحضور الفرجوي بممارسات توثق لتغير ذهنية التعامل مع الفرجة، وتوثق لممارستها بشكلين متناقضين سنتخذ منهما نموذجين للحديث عن الفرجة الموزعة بين الانمحاء والبقاء وذلك وفق إشكالية التعارض بين خطابات هذين النموذجين، وقد توخينا لضرورات بحثية موضوعية إبعاد الفرجات التي تقوم على الألعاب السحرية، وعلى ألعاب الحواة، وفرجات الغناء التي تعيد ريبرتوار ناس الغيوان، وجيل جيلالة، والأغاني الشبابية، والعشابة...
سيكون الحديث ـ إذن ـ عن مظاهر البقاء والانمحاء في نموذجين اثنين يقدمان صورة أزمنة متناقضة تعيش وتروح تحت تأثير الضرورات الاجتماعية، والعقدية، والنفسية للمجتمع المغربي الذي أخذ منحى جديدا يضبط علاقته بكل الاختيارات التي ترسم له ما يريد، أو ما يرفض، هذان النموذجان هما اللذان يحددان هوية المكان كالتالي:
نموذج المقدس في المحكي الفرجوي بين الوجود والانمحاء.
نموذج الفرجة المحملة بخطاب السياسة والجنس والسخرية بين الوجود والحفاظ على الموجود.
بهذين النموذجين نريد أن نستنطق دلالات الأمكنة، وأمكنة الذاكرة، والرغبة في التذكر بآعتبارهم يمثلون وسيلة لإنطاق خطابات الفرجة، وخطاب الذاكرة حول الهديم وساحته الفرجوية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق