المرتجلة مسرحية تقدم ارتجالا، تتناول قضايا تهم المسرح من خلال طرحها لمجمل ما يعتريه من مشاكل، ومجمل ما يكتنفه من صعوبات، فهي النافذة التي نطل وراءها لنكشف عن قرب أهم ما يميز هذا الفن وما يحبل به من خصائص، إذ تعد بؤرة النقد المسرحي الهادف إلى الفضح والتعرية، حيث تمزق الستائر لتخترق عوالم المسرحية الخفية.
والمتصفح لريبرتوار المسرح المغربي، يجده غنيا بالاهتمام بما يعتري المسرح من صعوبات ومشاكل وخصوصا في شخص المرحوم الدكتور محمد الكغاط، الذي يعد من أبرز رواد المسرح المغربي خصوصا والعربي عموما، حيث تكاد تكون تجربته في كتابة المرتجلة الأولى من نوعها في مسار المسرح المغربي من خلال ما خلفه من مرتجلات، شكلت مغامرة اختراق مجال المسرح ومعبرا لطريق الحداثة، حيث كتب ثلاثية على غرار ثلاثية بيرانديللو، تضمنت ثلاث مرتجلات وهي "المرتجلة الجديدة"،"مرتجلة فاس"
ومرتجلة" شميشةللا" عبر من خلالها عن موقفه من بعض القضايا الشائكة التي يتخبط فيها مسرحنا العربي، وصاغ عبرها منظوره الخاص إزاء المسرح باعتباره فنا مكرسا لخدمة قضايا الإنسان، نظرا لما لها من قابلية لمحو وإعادة إحياء ما يقدم نفسه لكي يمثل.
وتعد مرتجلة" شميشة للا" بمثابة الصيحة المدوية في عالم يحف بالمؤامرات الدنيئة والأحكام الجائرة، وهي رد فعل لما تعرضت له بعض مسرحيات المرحوم الكغاط من رفض وعدم القبول، وخصوصا مسرحية" وجدتك في هذا الأرخبيل" للدكتور محمد السرغيني، الشيء الذي دفعه إلى تأليف مرتجلة شميشةللا" ليعمل من خلالها على خلق صيغة تعبيرية جديدة، بعدما عانى من ظلم رجال التحكيم لأعماله الهادفة إلى تأصيل مسرح مغربي، قادر على عكس قضايا المجتمع والحياة.
تبدأ المسرحيةببرولوج يتحدث فيه عن المصاعب التي لقيها عمله وجدتك في هذا الأرخبيل، يليه برولوج شميشةللا وهي تغني، حيث تدور حول مرض ابنة السلطان بعدما أصابتها الكآبة وهجرتها البسمة، لذلك قرر أبوها أن يبحث لها عن علاج،وأن يزوجها لمن يفلح في أن يعيد البسمة إلى محياها، وأن يحببها من جديد في الحياة، لكن بالرغم من هذه الجائزة المغربية يعجزالأطباء عن علاجها وكذا المهرجين عن إضحاكها، لهذا يقوم السلطان باستدعاء الحكيم الصلدي، الذي يأتي من بلاد الصلد،حيث يعمل عل استحضار مجموعة من أرواح الشخصيات المستمدة من التاريخ والتراث الإنسانيين علها تفلح في إضحاك الأميرة، وفي هذا المقام يستحضر أصوات كل من سفوكل ومولييروشكسبير وجحا وأبو الفتح الاسكندري، لكنهم لا يستطيعون إضحاك "شمسشةللا" لذلك تصدر اللجنة حكما يقضي بإعدامهم وقطع رؤوسهم، والغريب في الأمر أن الشخص الذي سيتمكن أخيرا من إضحاك ابنة السلطان، هو رجل ثقيل الظل إلى درجة البلادة، وهو رئيس لجنة الحكماء، بعدما يردد الأغنية التي غالبا ما ترددها" شميشة للا"، آ شمشة للا، لا تخرجي من دارنا حتى يجي عمي قوقو ويهزك على عنقو".
هذا ما يعكس بشكل جلي الطابع الهزلي الذي قدمت به المسرحية، حيث تعرض لهزال الواقع المسرحي والحياتي، وقد حاول الدكتور من خلالها ان يجعل اللجنة ورئيسها تلك القرارات التي لاتستطيع ان تصيب في الحكم على إبداعات المسرحيين، نظرا لغياب النزاهة ولطغيان التسلط والملاحظ على هذه المسرحية أنها تتشابه مع "مرتجلة ألما" ليونسكو، وخصوصا عند استحضار أرواح أبرز مبدعي المسرح الغربي( سفوكل، موليير،شكسبير)،هذا ما يجسد اطلاعه الواسع وثقافته الشاملة، فمرتجلة شميشة للا، إذن هي حكاية الإبداع المغربي الذي أصابته الكآبة من جراء العلل التي أصابت ذوق الجمهور العربي فاختلطت المفاهيم واختلت المقاييس، فانعكس كل ذلك على الإبداع.
تصنيف :
0 التعليقات:
إرسال تعليق